من سنوات مضت، بدا وكأن الطقوس التقليدية الخاصة بالأعراس اللبنانية في لبنان أصبحت في طي النسيان، والجدير ذكره أن بعضها لا يزال موجوداً في بعض المن
من سنوات مضت، بدا وكأن الطقوس التقليدية الخاصة بالأعراس اللبنانية في لبنان أصبحت في طي النسيان، والجدير ذكره أن بعضها لا يزال موجوداً في بعض المناطق والقرى النائية جنوباً، بقاعاً وشمالاً، ولا زالت العديد من العائلات متمسكةً بالعادات والتقاليد التي تعتبر جزءًا أساسياً من تراثنا وجذورنا وحضارتنا، إلاّ أن الطقوس المتنوعة العصرية أصبحت أكثر إنتشاراً ورواجاً اليوم، وحلت محلها وأصبحنا رهن التطور والتقدم الحاصل لمواكبة العصر وتقليد الغرب.
وفي هذا الموضوع نلقي الضوء على أبرز العادات والتقاليد التي يتمسك بها أجدادنا ورافقت أفراحنا في التحضير والتجهيزات ليوم العمر، منها اختيار ثوب العرس، خطف العريس، جهاز العروس، إقامة حلقات الدبكة في ساحات الضيع، والكثير من العادات والتقاليد التي اندثر جزء كبير منها في أيامنا.
فستان العروس بين الأمس واليوم
من أهم العادات في الأعراس اللبنانية أن يجتمع الأقارب والأهل قبل حفل الزفاف لحياكة فستان العروس الذي يتميز بالتطريز اليدوي والتصاميم التقليدية البسيطة، و إذا لم يطرز كانت العروس تلجأ الى إستعارة فستان أبيض من اقاربها اللواتي تزوجن قبلها. أما اليوم تقوم العروس بالبحث عن الفستان قبل شهور وأيام من موعد الزفاف، كما يذهب البعض للبحث عن أهم المصممين من العالم لحياكة فستان فريد من نوعه بتكاليف باهظة جداً.
الأعراس قديماً…دون لائحة مدعوين
لائحة المدعوين لم تكن ضمن تجهيزات العرس القديم، بل كانت القرية بأكملها تحضر لأن الزفاف يعتبر مناسبة واحدة للجميع. فالناس كانت سواسية حتى رجال السياسة كانوا يشاركون الناس أفراحهم وتقام حفلات الدبكة في الساحات بدون الصالات الفخمة ذات الديكورات المبالغ بها. كان شيء بديهي أن تقام الحفلات في ساحة الضيعة حصرياً. على عكس أيامنا هذه التي باتت فيها المدعوين تقتصر على الأهل والأصدقاء والمقربين فقط، مع دعوات تحدد عدد الأشخاص، وأصبحت الحفلات تقام في صالات فخمة يحدد فيها نوع الورود والألوان والتصاميم ومراعة إطلالة العروس كملكة وكل تفصيل بسيط أصبح معظم.
خطف العريس و استحمامه بالبيض
يعتبر خطف العروس والعريس قبل العرس في بعض القرى اللبنانية تقليداً ثقافياً يقود الى ممارسات قديمة. و يشمل الحدث في ان يقوم اصدقاء العريس بخطفه من أجل ان لا يرى العروس و يقومون بأمور فكاهية مثل القيام بتحديات طريفة كضرب العريس، استحمامه بالبيض، رميه في حفرة من الرمال، والكثير من الفكاهات.وتتطبق هذه العادة على العروس أيضاً ولكن لخطف العروس احتمالين الأول أن يقوم اصدقاء العروس بخطفها و إقامة حفلات رقص و غناء احتفالاً بمناسبة زواجها.
أما الثاني يكون تحت ظروفٍ ضرورية و طارئة. فإذا حلّ مأتمٌ في منزل العروس أو أحد أقاربها، يقوم احد الأقارب بخطفها من أجل إتمام حفل الزفاف و عدم التأجيل او إلغاء المناسبة. فيقومون بخطف العروس والإحتفال بها و لكن ليس بمنزل والديها، مما تراه العادات والتقاليد مناسباً ولائقاً بحق العروس و عائلتها.
جهاز العروس (انتماء العائلة الى تراثها)
لم يكن جهاز العروس من خصوصيتها في العادات القديمة. فكانت العائلة بأكملها تجتمع في موعدٍ واحدٍ و يومٍ محدد يحضره الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران من اجل أن تقوم العروس بفرد جهازها وإبراز ما أحضر لها والديها من زينة و حلى للتباهي أمام الآخرين بالنقوش والزخارف الموجودة على الجهاز، مما يعكس الحالة الإجتماعية والاقتصادية للأهل.
كما يعتبر فرد الجهاز رمزًا للعراقة والفخر ويعكس ذوق واهتمامات العروسين وعائلتهما، وبجانب التفاخر بالمواد الثمينة والتفاصيل الزخرفية، كانت الألوان والنقوش المستخدمة في فرد الجهاز تحمل معاني ثقافية عميقة. كان الاختيار الدقيق للألوان يعبر عن الذوق والتفرد، وكانت النقوش تحمل رموزاً تعبر عن الحظ والخير في الحياة المستقبلية للعروسين.
في هذه اللحظة الفارقة قبل العرس، كانت النساء يعملن بأمانة على تحضير فرد الجهاز، مضيفاتٌ الفخامة والأناقة.
كانت هذه التحفة الفنية تحمل في طياتها قصص الحب والتراث العائلي، وكانت تعكس تفاني العائلة في إعداد هذا العنصر المميز، فالتباهي بفرد الجهاز ليس مجرد عرض للرفاهية، بل كان يعبر عن انتماء العائلة إلى تراثها وثقافتها، مما يجعل لحظة العرس لا تُنسى ومليئة بالجمال والفخر.
فرخة و ديك في ساحات الدبكة
اشتهرت الأعراس القديمة بما يعرف بالفرخة و الديك، المرأة هي الفرخة والرجل هو الديك، حيث كانت حلقات الدبكة منظمة على هذا الشكل أي رجل و إمرأة يتبعهم رجل وامرأة، بترتيب مهندس و منظم دون اي اشراف على الحلقة و كأنه عُرف يعرفه الكبار والصغار.
أما الفرخة والديك في المواويل فكان شيء آخر. فقد كانت الفرخة تضرب الموال أمام الحضور جميعاً ليرد عليها الديك بموالٍ أقوى ويبقون على هذا الحال حتى يفوز أحدهم في النهاية.
ضفادع الذهب في شعر العروس
يقال عن إحدى كبار السن في قرية لبنانية، أن العروس كانت تخرج من منزل والديها على الفرس وتنقل من قرية إلى أخرى على ظهر الفرس و هي تحمل مظلة بيضاء وتقوم بتحريكها حتى وصولها الى بيت زوجها. وكانت هذه العادة تتلازم مع تصفيف الشعر بطريقة الجدايل المرصعة بضفادع الذهب والتي تشير الى زينة فاخرة وجميلة تزين شعر العروس.
الحنة ودين النقوط …
ما زالت حفلات الحنة تقام حتى يومنا هذا و لكن إختلف الترتيب. حتى الآن هناك بعض القرى التي تقيم سهرة قبل حفل الزفاف بيوم واحد، وعادةً تنفذ العادات والتقاليد من تحضير طعام للضيوف و دخول أم العريس بصدر الحنة و هي تتراقص به وكأنها تتباهى بنسبها. و لكن الغير المألوف اليوم هو (النقوط) فقد كانوا الأقارب يجتمعون على صدر الحنة و يقدمون النقوط بطريقة علنية، ترافقها ورقة يُسجل فيها من قدّم النقوط و ماذا قدم، وتقاس على اساس ان النقوط (دين و وفى) حيث يرُد العروسين النقوط لاحقاً.
لقد قمنا في هذا المقال بجولة على أبرز العادات والتقاليد المرافقة للزفاف على الطريقة اللبنانية ،وما يرافقها من أرهايج وحلقات دبكة ورقص ابتهاجاً وفرحاً بالعريسين، وما يواكبه من تحضيرات وثمة طقوس وعادات لا تعد ولا تحصى كانت اساسية في حفلات الزفاف منها ما يزال موجوداً ويضفي نكهة خاصة على حفل الزفاف الذي يعكس عاداتنا وتقاليد مهما كان بسيطاً، على أمل العودة إليها بشكلٍ أكبر لأنها تشكل جزءًا مهماً في هويتنا وتراثنا وجذورنا.
COMMENTS