بعد ثلاث سنوات، يكمل مبنى "التياترو الكبير" الواقع في وسط العاصمة بيروت المئوية الأولى على تشييده بِمُبادرةٍ فرديَّةٍ من جاك ثابت عام 1927.
بعد ثلاث سنوات، يكمل مبنى “التياترو الكبير” الواقع في وسط العاصمة بيروت المئوية الأولى على تشييده بِمُبادرةٍ فرديَّةٍ من جاك ثابت عام 1927.
عند شارع الأمير بشير غربي ساحة “البرج” (الشهداء اليوم) بين بناية اللعازارية وساحة رياض الصلح وعلى خط شارع المعرض، إشترى ثابت مستودع عبدالله الشرقاوي للزوارق ليبني مكانه “Le grand theatre”.اختار حينها المهندس يوسف أفتيموس (وزير الأشغال في حكومة الانتداب) الذي سبق له أن صمم مبنى بلدية بيروت وبرج الساعة الحميدية في ساحة السراي كي يصمم هذا الصرح الثقافي فدمج فيه الطابع الإسلامي العربي بالطابع الغربي.
بني على نسق دور الأوبرا اللندنية أوopera Garnier في باريس، مقاعده الحمراء الـ 706 تنقلك بين الدولة الأوروبية تصل بك إلى مسرح البولشوي الروسي (بولشوي تعني الكبير أيضاً). ستشعر بالفخامة فور دخولك بهوه الفسيح.ستقف أمام درجين عريضين يؤيديان إلى مقصورات فخمة علوية وغرف الفنانين. حتى التقنيات لم تغب عنه رغم بنائه في بداية القرن العشرين، إذ أن إدارته إستخدمته أحدث وأغلى التقنيات وكان الصوت يصل بوضوح إلى آخر مشاهد في الصالة، كذلك كانت تقنياته الضوئية تضفي على الديكور أجواء رائعة.
شيد من ثلاث طبقات تعلوها قبة كانت تفتح وتغلق على الكهرباء للتهوئة. تميز في مدخله الخارجي بالزخرفة والزينة، وقد علته قنطرة منقوشة وأربع قناطر صغيرة تزيّن الواجهة الخارجية، أما ديكوره الداخلي فغلبت عليه البساطة. كان يعد الأغنى بين جميع مسارح بيروت التي سبقته أو جايلته بما فيها مسرح “الكريستال”، في حين أن “الحفرة الأوروكسترالية” وضعت ليكون بمقدورها إستيعاب أكبر الفرق الموسيقية، بدورها خشبته المسرحية تميزت بالعمق والامتداد إلى كواليس رحبة خلف الستارة.
قاعة التياترو الكبير
كما ضم قاعة كبرى منحنية حول خشبته على إرتفاع طابقين مع مقصورات تطل على المسرح. وكانت إحدى هذه
المقصورات مخصصة لجاك تابت مالك المسرح وضيوفه ومدعوويه لمشاهدة العروض المسرحية والغنائية والموسيقية، مع ضرورة الإشارة إلى أن تلك المقصورة كانت تضم رسوم مزركشات مرسومة بماء الذهب، في حين أن مقاعدها ومساندها كانت مخملية متناسقة مع فخامة الديكور
كانت الطوابق العليا تستخدم إما كفندق صغير أو شقق للإيجار. ومع تطور متطلبات المسارح لجهة وضع التقنيات المتطورة والمطلوبة لإقامة حفلات كبيرة ومهمة، ساهم هذا المبنى بتكريس دور ثقافي ريادي للعاصمة. وأول عرض استضافه على خشبته مساء 10 آذار1929 كان المسرحية الأميركية الغنائية “لا، لا يا نانيت”.
فوق خشبته غنى الموسيقار محمد عبد الوهاب، كوكب الشرق أم كلثوم،أيقونة الصوت الجميل فايزة أحمد، راهبة الفن اللبنانية نور الهدى، الشحرورة صباح وسفيرتنا إلى النجوم فيروز وعلى مسرحه وقف العملاق يوسف وهبي وعلي الكسار وسلام فاخوري، وعلى مقاعده جلس بشارة الخوري (الأخطل الصغير) وأمير الشعراء أحمد شوقي.
أستطاع التياترو الكبير أن يبسط نفسه كصرح ثقافي على مستوى لبنان والعالم ولم يكتف بما يقدمه على المسرح من فن وشعر وتشخيص، ونظراً لصعوبة تطويره وفقاً للمعايير الحديثة لتلك الحقبة، تم تحويله إلى سينما سنة ١٩٤٠، بعدما كان حاضناً وشاهداً للعصر الذهبي من العروض المسرحية والحفلات الغنائية والموسيقية والاستعراضية التي كانت تنبض بها بيروت أيام العز الخوالي، ، وكان أول شاشة وسط العاصمة لعرض أعمال الشاشة الفضية، كما تحول إلى معهداً مسرحيا للتدريب الفني. وحجز هذا المعلم مكانه في الذاكرة الجماعية للبنانيين ممن يحنون للزمن الجميل.
حاول الفرنسيون إزالته أثناء الإنتداب لوقوعه ضمن مخطط شق طريق بين مرفأ بيروت ومحلة الحرج، ولكن ما من أحد كان يجرؤ إلى أن أتت الحرب الأهلية اللبنانية وحولته الميليشيات المتقاتلة مرتعاً لرعاعها، حاصرته نيران القذائف ودمرت أجزءاً منه وأقفلت أبوابه عام 1982.
لكن وقف إطلاق النار عام 1991 لم يعده إلى عزه بعدما صار تحت المنطقة المتواجد فيها تحت سيطرة شركة سوليدير المانعة لتشغيله وترميمه ليغدو حاله كحال مسرح السارولا ومسرح قصر البيكاديلي في شارع الحمرا. يشتاق اليوم المواطن اللبناني إلى ايام العز، حيث كانت المسارح منطلقا للحركة الفكرية .. .
إقرأ المزيد للكاتب
COMMENTS
[…] لمواضيع ذات صلة : اضغط هنا […]
[…] 100 عام على بناء التياترو الكبير… عز لم يرجع لبيروت […]