يحظى سوق البازركان بمكانة خاصة في قلوب الجنوبيين عامة والصيداويين خاصة، فيقصّ عليك أي صيداوي تصادفه في السوق تفاصيل كل شبر من “أيام العز” - كما يصفونها ـ دون ملل أو تعب ما يدل على حنينهم العميق لتلك الأيام والذكريات.
حين تدس قدماك في سوق صيدا القديم أو “العتيق” كما يحب أن يسميه أهل المدينة، تستقبلك القناطر الحجرية والمتاجر القديمة لتذكرك بآثار لبنان وزمنه الجميل. يبدأ مشوارك في السوق من ساحة باب السراي التي تعج بالمقاهي والمطاعم البسيطة، ثم تمر بسوق النجّارين يليها خان الافرنج وصولاً الى سوق “البازركان”.
يحظى سوق “البازركان” بمكانة خاصة في قلوب الجنوبيين عامة والصيداويين خاصة، فيقصّ عليك أي صيداوي تصادفه في السوق تفاصيل كل ذكرى من “أيام العز” – كما يصفونها ـ دون ملل أو تعب ما يدل على حنينهم العميق لتلك الأيام والذكريات.
يحدثنا المختار السابق لسوق صيدا فؤاد البني (٧٣ عاماً) عن تاريخ سوق البازركان وأهمية مكانته الجغرافية فيقول “كان السوق هو الشريان الذي يصل صيدا بكل القرى الجنوبية، فقبل إعمار الواجهة البحرية وازدهارها بالمقاهي والمطاعم وبسطات الخضرة كانت كل الناس من مختلف القرى الجنوبية وحتى الحدودية منها تقصد سوق البازركان لتأمين أحتياجاتها وخاصةً أيام العيد، لكن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 أثر بشكل كبير على السوق فقام بعض التجار ببيع محلاتهم“.
بين البازار والكِتّان نشأ سوق البازركان
يختلف الصيداويون حول الرواية الصحيحة لتسمية سوق البازركان، يقول مصطفى القاضي صاحب محل لحف في سوق البازركان إن كلمة بازركان هي تركية الأصل مشتقة من مصطلح “البازار” أي المكان الذي يوجد فيه العديد من المحلات وتُباع فيه المنتجات على إختلاف أنواعها لذلك خُصص داخل هذا السوق الكبير أسواق متفرعة كأسواق النجارين والصاغة والحياكين والعطارين والكندرجية وغيرها”.
في الرواية الثانية، يؤكد محي الدين البابا، صاحب أقدم محل قماش في سوق البازركان أن إسم السوق نشأ على عهد العثمانيين وكلمة بازركان هي كلمة تركية تعني ”الأكابر والأعيان“ لكن أصل التسمية جاء نسبة الى بذور الكتّان، حيث كان السوق أيام العثمانيين مخصصاً لبيع الحبوب والبهارات”.
على رغم من إختلاف روايات تسمية سوق البازركان الى أن الصيداويين يُجمعون على أن أصل الكلمة تغيّر مع مرور الحضارات القديمة في صيدا، فالسوق تأسس قبل ٥٠٠ عام حيث كانت النشاطات الاقتصاديّة العثمانية ممثلة بالأسواق التجاريّة والصناعيّة والحرفيّة، ومن بين هذه الأسواق التي كانت قائمة منذ العهد العُثماني: سوق الأساكفة، سوق البازركان، سوق العطارين، سوق الحدادين، وكثير غيرها.
الحنين الى الماضي
لا ينسى الصيداويون الزمن الجميل لسوق البازركان، فحُفرت ذكرياتهم بين أزقته وقناطره ودكاكينه، لكن تلك الألفة والتجانس بينهم وبين السوق مازالت موجودة الى يومنا هذا، وعلى الرغم من ظهور المراكز التجارية الضخمة في صيدا إلا أن التجار في السوق ما زالوا متمسكين بحبهم وانتمائهم له، فترى المحلات القديمة ما زالت تحافظ على حالها المعماري القديم. تستذكر سهير الأشقر، خياطة ستينية في سوق البازركان أيّام العز فيه فتقول “كان لدينا أشهر مجبر عربي يدعى الفاخوري حيث كان يستقبل كل من قصده للعلاج دون بدل مادي.
وعن التقاليد والعادات في السوق، تروي الأشقر أنه “أثناء مرور أي جنازة في السوق، كانت تغلق كل المحلات احتراماً للفقيد وأهله فكان الطربوش على النعش يرمز الى الذكر والمنديل الى الأنثى. أما الأفراح، فكانت الأعراس تمتد من ٧ الى ١٠ أيام، وكنا نذهب مع العروس الى حمام السوق الذي يقع في آخر سوق النجارين قرب خان الافرنج”.
يُجمع الصيداويون أن كل الأشياء اليوم تغيرت عن الأمس، ويتفقون على أن تلك الأيام لن تتكرر لأن الأزمات الاقتصادية والحروب التي مرت على مدينة صيدا تركت أثراً كبيراً على سوق البازركان مما أجبر عدداً كبيراً من التجار الى إقبال محلاتهم أو بيعها. كذلك يعاني التجار اليوم في سوق البازركان من النفايات المكدّسة على الجانب البحري المتلاحم مع السوق والتي تعتبر اليوم من أكبر المشاكل التي يعاني منها أهل المدينة، لكنها رغم كل ما مرّ عليها تبقى المدينة الأعرق في لبنان والتي يقصدها الزوار من جمع أنحاء العالم لجمالها وغناها.
COMMENTS