Homeثقافة وفنون

دموع صاحبة الجلالة: المسلسل الدرامي المصري الذي أصبح تهمة وضيعة

دموع صاحبة الجلالة: المسلسل الدرامي المصري الذي أصبح تهمة وضيعة

 أربع وثلاثون سنة مرت على أول عرض للنسخة الإذاعية من "دموع صاحبة الجلالة"، العمل الدرامي الذي لقي شهرة ضخمة في زمانه، وتعاقب على أداء أدواره الر

رأس العبد أو الطربوش: حلوى تحمل ذكريات الطفولة والتراث اللبناني
1943 العلم اللبناني بين الماضي والحاضر
لبنان يا قطعة سما..أماكن أثرية تعود لآلاف السنين

 أربع وثلاثون سنة مرت على أول عرض للنسخة الإذاعية من “دموع صاحبة الجلالة“، العمل الدرامي الذي لقي شهرة ضخمة في زمانه، وتعاقب على أداء أدواره الرئيسة أحمد زكي، فاروق الفيشاوي، ميرفيت أمين، سمير صبري وأسماء أخرى ساهمت في جعله من الانتاجات العربية التي لا تنسى. العمل في الأصل رواية للصحافي موسى صبري صدرت للمرة الأولى في عام 1972 في أعداد “أخبار اليوم”. تدور القصة حول شخصية صحافي وصولي يدعى “محفوظ عجب” يقوم بالتملق حتى يصل إلى المركز، وقد جرى استنساخها لتقدم في قالب إذاعي وتيلفزيوني وسينيمائي. أما في أوساط الصحافة، فقد فسّر البعض نية العمل كمحاولة انتقام واضحة من الصحافي محمد حسنين هيكل الذي كان يكن له المؤلف موسى صبري العداء. فما هي كواليس هذا القصة؟

يروي الصحافي سليم زعرور أنه كان على سفر مساء يوم الجمعة إلى مسقط رأسه مستقلًا القطار، وكان جميع من في القطار يترقبون نشر صحف اليوم التالي التي كانت توزع مساءً، حتى إذا ما وصلت الحلقة الأولى من الرواية، اندفع جميع من في المحطة إليها، ولم يبق شخص لا يحمل في يده نسخة من “أخبار اليوم” التي سعت طويلًا للترويج للرواية قبل نشرها الحلقة الأولى منها. وحتى لحظة وفاة المؤلف الصحافي موسى صبري رئيس تحرير جريدة “أخبار اليوم” اليومية، ظلت شخصية ” محفوظ عجب” أحجية عجيبة حاول العديد فك شيفراتها، فقد تحولت هذه الشخصية الوصولية إلى تهمة وضيعة يتقاذفها العاملون في مهنة الصحافة، ويحاولون بها تشويه صورة غرمائهم فمن هو محفوط عجب؟ وهل كان هذا العمل محاولة للانتقام من الصحافي محمد حسنين هيكل الذي كان يكن له المؤلف موسى صبري العداء كما كان يشاع وقتها؟ أو أن شخصية محفوظ عجب هي نسخة مقتبسة عن حياة الصحافي “محمود عوض” الذي كان هناك تصادم كبير بينه وبين المؤلف؟

أحداث رواية دموع صاحبة الجلالة

تدور أحداث الرواية خلال حقبة الأربعينيات والخمسينيات قبل قيام ثورة تموز/يوليو 1952، أي في الفترة الانتقالية من حكم الملك فاروق إلى حكم جمال عبد الناصر، فتقدم مشهدية تظهر أسلوب حياة الصحافيين الوصوليين الذين يتسلقون على أكتاف معارفهم بالكذب والنفاق وعلى أكتاف رجال السلطة حتى يرتقوا في السلم الوظيفي، ممثلة هذه الحالة بشخصية «محفوظ عجب» وهو شاب انتهازي لم ينه تعليمه، لكنه كما يقول “عاشق” لصاحبة الجلالة الصحافة. يدخل عجب جريدة (الأسرار) وينجح من خلال التملق لرئيس التحرير للتدرب في قسم الحوادث، فيكسب ود الأخير، بإظهاره “النزاهة” و”الجد” المفتعل والكاذب، وتنطلي هذه الأكاذيب كذلك على زميلته رئيسة قسم التحقيقات (أمل) وهي من عائلة ثرية فيكسب ودها، ويدخل معها في تنظيم سياسي لكنه في ذات الوقت يخبر الشرطة السياسية بأخبار التنظيم، فيلقي بها في السجن كما رئيس تحريره ويأخذ مكانه. عام 1990 اقتُبس عن الرواية مسلسل إذاعي أدى بطولته أحمد زكي ثم تحولت لفيلم سينمائي عُرض في عام 1992 وكان من إخراج المخرج المصري عاطف سالم وبطولة سمير صبري وسهير رمزي، كما اقتُبس عنها مسلسل تليفزيونيّ يحمل نفس الاسم في عام 1993 عرض خلال شهر رمضان قام ببطولته فاروق الفيشاوي وميرفت أمين وأخرجه يحيى العلمي

ميرفت أمين

من هو محفوظ عجب بطل الرواية الحقيقي؟

حاول العديد معرفة من هي شخصية عجب، وكان المرشح الأول هو الصحافي الشهير محمد حسنين هيكل الذي بدأ مسيرته المهنية باكرًا بالتدرب في قسم الحوادث في صحيفة “ايجبشن غازيت” وكانت تربطه علاقة غير واضحة برئيس تحرير جريدة الأخبار المصرية مصطفى أمين، وكان يقال إن هيكل القريب من جمال عبد الناصر زج بأمين في السجن بتهمة التخابر مع الولايات المتحدة الأميركية بعد ثورة يوليو، لذلك فإن العديد ممن كانوا يعملون في الصحافة علموا قبل نشر الرواية أن الجريدة ورئيس تحريرها سينتقمان من هيكل على هذا النحو وأن “محفوظ عجب” هو هيكل نفسه، لكن المؤلف لم يدل بأي معلومة بشكل واضح حول هذا الأمر، وبقي مصرًا على أن عجب يمثل أي صحافي وضيع.

للمفارقة، قال البعض أن عجب هو صبري نفسه الذي كان ناصريًا، ففي مقال نشره د. مهند العزة يقول ساخرًا أنه إن لم يكن مخطئًا في قراءة الرواية، فصبري يتحدث عن نفسه، فهو رغم محاولاته للتماشي مع نظام عبد الناصر فقد أغضب الأخير بعبارة “ما خفي كان أعظم” في مقال نشره، مما ساهم بنقله من الأخبار إلى صحيفة الجمهورية ثم سرعان ما عاد إلى منصبه بشفاعة من الرئيس أنور السادات الذي قرّب صبري حال توليه رئاسة الجمهورية سنة 1971 حتى أصبح صبري “بقدرة قادر ولزاجة شاطر وفهلوة ساحر” رئيسًا لمجلس إدارة أخبار اليوم سنة 1975، ثم ” دنى صبري وتدلى متجاوزاً القوسين بالغاً سدرة المنتهى” كما يقول العزة .

آراء الصحف العربية بالعمل

 كثير ممن واظبوا على قراءة العمل ورقيًا وجدوا النسخة البصرية منه دون المتوقع. جريدة السفير اللبنانية كتبت عن العمل في أحد أعدادها سنة 1993 تحت عنوان “دموع صاحبة الجلالة لعاطف سالم: غاب المصريون والفيلم من حرفة ماضية في ثوب معاصر” في إشارة  إلى أن عددًا كبيرة من المدعوين اعتذروا عن حضور عرض دموع صاحبة الجلالة من إخراج عاطف سالم. وانتقدت السفير العمل واصفة إياه بالغريب، فهو “تكرار لشكل الميلودراما المصرية كما هي” فبالرغم من التحولات في السينما المعاصرة إلا أن المخرج لم يستفد منها. وأشارت الصحيفة إلى أن المرحلة التاريخية التي يحملها الفيلم لم يكن لها وجود مستقل بحد ذاته، لكنها أتت لتضخيم فعل الانتهازية التي يعاني منها البطل، فضلًا عن وجود سيناريو ضعيف أخفق في رسم شخصية محفوظ عجب الذي كان يؤديها سمير صبري، أما بقية الشخصيات فوصفتها الجريدة بالهامشية والتي تحاول إبراز شخصية البطل الأساسي ذا الأداء “المتوسط”. “كانت أيام” يختتم بها أحد الكتاب مقالاتهم بعد حديث طويل عن “دموع صاحبة الجلالة” والخلاف بين صبري وهيكل وكأنه أنهى حديثه بتنهيدة تستطيع سماعها وباشتياق غير مفهوم لزمن كانت مصر تمر فيه في أعنف انعطافاتها السياسية والأمنية، ولربما يكون السياق الذي أتى به “دموع صاحبة الجلالة” أكثر أهمية من العمل نفسه، ولربما كان ما يدور في الكواليس أكثر فتنة لمترقبه من المشاهد، لكن الأكيد هو أنه ما خفي كان أعظم

لقراءة المزيد للكاتبة إضغط هنا


 

COMMENTS

WORDPRESS: 0
DISQUS: 0