فيلمون وهبي…سبع الأغنية وصانع الألحان الخالدة

هل تتذكرون أغنية “يا مرسال المراسيل” التي تحكي قصة حب بين شاب وفتاة في زمن الحرب؟ هل تتذكرون أغنية “يا دارة دوري فينا” التي تعبر عن الحنين إلى الوطن والأهل؟ هل تتذكرون أغنية “على جسر اللوزية” التي تصور جمال بيروت وروحها؟ هل تتذكرون أغنية “ورقو الأصفر” التي ترثي الربيع والحياة؟ هل تتذكرون أغنية “إسوارة العروس” التي تزف العروس إلى عريسها؟ هل تتذكرون أغنية “يا حلوة يا زينة” التي تمجد الجمال والأنوثة؟ هل تتذكرون أغنية “يا عيني على العينين” التي تنشد الحب والعشق؟

هذه الأغاني وغيرها الكثير هي من سبع الأغنية، الذي يعد من أبرز الملحنين والمؤلفين الموسيقيين في تاريخ الفن اللبناني والعربي. فيلمون وهبي هو رمز من رموز الإبداع والتميز في الألحان الشرقية، التي تحمل في ثناياها الحنين والرومانسية والوطنية والفكاهة. فيلمون وهبي هو أيضا شخصية فنية متعددة المواهب، فقد أثبت نفسه في التمثيل والكتابة والغناء، وترك إرثا ثريا من الأعمال الفنية التي لا تزال تعيش في قلوب وأذهان الجمهور اللبناني والعربي.

من كفرشيما الى عالم الفن …حياته وبداياته الفنية

ولد فيلمون سعيد وهبي في عام 1916 في قرية كفر شيما الواقعة في محافظة جبل لبنان. كان والده سعيد وهبي مختار القرية وشيخ صلح، ووالدته ماري أيوب. برزت موهبته الفنية منذ طفولته، حيث كان يحب العزف على العود والغناء. على الرغم من معارضة والده لهوايته، إلا أنه لم يستسلم للضغوط وانقطع عن الدراسة والتحق بركاب الفن في سن مبكرة، محتفظا بعمله في مجال المهن الحرة لمساعدة أسرته.

انطلقت مسيرة فيلمون وهبي الفنية كمطرب في فلسطين عام 1946، لكنه ما لبث أن انتقل إلى التلحين والموسيقى، والتحق بإذاعة الشرق الأدنى في خمسينيات القرن الماضي، ثم بإذاعة لبنان الرسمية. في هذه الفترة، تعرف على زملائه الفنانين الذين شكلوا معه جيل الذهب في الفن اللبناني، مثل حليم الرومي ونقولا المني وسامي الصيداوي وزكي ناصيف والأخوين الرحباني والمخرج صبري الشريف وغيرهم. كما تزوج من الفنانة اللبنانية نجاح سلام، وأنجب منها ابنه الوحيد سعيد.

ملحن النجوم…إنجازاته الفنية وتعاونه مع النجوم

يعتبر فيلمون وهبي من أهم الملحنين في العالم العربي، حيث لحن أكثر من ألف أغنية لأكثر من مائة فنان وفنانة. من أشهر الفنانين اللبنانيين الذين لحن لهم فيلمون وهبي هم:فيروز, صباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وسميرة توفيق وعصام رجي وملحم بركات وغيرهم. من أشهر الأغاني التي لحنها فيلمون وهبي لهؤلاء الفنانين هي: فيروز «جايبلي سلام»، «يا مرسال المراسيل»، «يا دارة دوري فينا»، «من عز النوم بتسرقني»، «بكرم اللولو»، «ليلية بترجع يا ليل»، «الطاحونة»، «يا رايح»، «فايق يا هوى»، «صّيف يا صيف»، «أنا خوفي»، «يا كرم العلالي»، «طيري يا طيارة»، «على جسر اللوزية»، وفي ما بعد «ورقو الأصفر» و«إسوارة العروس» وسواهما من شعر جوزف حرب.
كان فيلمون أول من نشر الأغنية اللبنانية في العالم العربي وخصوصًا في مصر منذ منتصف الخمسينيات من خلال أغانٍ مثل «دخل عيونك حاكينا»، «عالعصفورية» التي غنتهما صباح، «شب الأسمر جنني»، «برهوم حاكيني»التي غنتهما نجاح سلام، «بترحلك مشوار» و«حلوي وكذابي» غناهما وديع الصافي

ولم يقتصر تعاون فيلمون وهبي على الفنانين اللبنانيين فقط، بل تعداه إلى الفنانين العرب من مختلف البلدان، مثل وردة الجزائرية وشريفة فاضل وفايزة أحمد ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وغيرهم. من أشهر الأغاني التي لحنها فيلمون وهبي لهؤلاء الفنانين هي: “بتوحشيني” و”حبيبتي والمطر” و”سهر الليالي” و”يا مسهرني” و”يا مالك قلبي” و”يا زمان الوصل” و”يا ليل يا عين” و”يا مسافر وحدك” و”يا نسيم الريح” وغيرها.

ومن أهم العوامل التي ميزت ألحان فيلمون وهبي هي التنوع والتجديد والتأقلم مع الزمن والمكان والمناسبة. فقد استطاع فيلمون وهبي أن يلحن لكل فنان وفنانة بما يتناسب مع صوتهم وأسلوبهم وشخصيتهم، وأن يلحن لكل طرب وطرب بما يتناسب مع طبيعته وروحه ومضمونه، وأن يلحن لكل جمهور وجمهور بما يتناسب مع ذوقه ومشاعره وتطلعاته. وهكذا، أصبح فيلمون وهبي ملحنا شعبيا ووطنيا ورومانسيا وفكاهيا ودينيا وسياسيا واجتماعيا في آن واحد

اقرأ ايضاً

سبع الأغنية والمسرحية…دوره في المسرح الرحباني والتمثيل

لم يكن فيلمون وهبي مجرد ملحن ومؤلف موسيقي، بل كان أيضا ممثلا موهوبا وكاتبا مبدعا. فقد شارك فيلمون وهبي في عدة مسرحيات للأخوين الرحباني وفيروز، مثل “بياع الخواتم” و”البعلبكية” و”جبل الحسين” و”صوت العصفور” و”سهرة مع الرحباني” وغيرها. وكان يلعب فيلمون وهبي دور السبع الفكاهي والمحبوب، الذي يضفي على المسرحية روحا من الدعابة والمرح والحكمة. وكان فيلمون وهبي يتمتع بموهبة التمثيل الطبيعي والمباشر، والقدرة على التفاعل مع الجمهور والممثلين الآخرين.

كما كتب فيلمون وهبي بعض المسرحيات بالتعاون مع الشاعر جورج جرداق، مثل “الملكة الحسناء” و”الملكة السوداء” و”الملكة الحمراء” و”الملكة البيضاء” و”الملكة الخضراء” و”الملكة الزرقاء” و”الملكة الصفراء” و”الملكة البنفسجية” و”الملكة البرتقالية” و”الملكة الوردية” و”الملكة الذهبية” و”الملكة الفضية” و”الملكة النحاسية” و”الملكة الحديدية”. وهذه المسرحيات تحمل في طياتها رسائل فنية وأخلاقية وإنسانية، وتعبر عن حب فيلمون وهبي للحياة والجمال والخير.

عالق في اذهاننا…تأثيره على الذكريات والنوستالجيا لدى الشعب اللبناني

لا شك أن فيلمون وهبي هو من الفنانين الذين تركوا بصمة واضحة في الفن اللبناني والعربي، وأثروا في الوجدان الجماعي للشعب اللبناني والعربي. فألحان فيلمون وهبي تحمل في ثناياها الكثير من الذكريات والنوستالجيا لأيام زمان، التي كانت أيام البراءة والبساطة والحب والسلام. ألحان فيلمون وهبي تعكس أيضا الهوية اللبنانية والعربية، التي تمزج بين التراث والحداثة، وبين الشرق والغرب، وبين الفرح والحزن. ألحان فيلمون وهبي تمثل أيضا القيم الإنسانية والوطنية والروحية، التي تربط بين الناس بمشاعر الأخوة والتضامن والإيمان.

ولا يزال فيلمون وهبي سبع الأغنية حيا في قلوب وأذهان الجمهور اللبناني والعربي، الذين يستمعون إلى ألحانه ويشاهدون مسرحياته ويقرأون كتاباته بشغف وإعجاب. ولا يزال فيلمون وهبي مصدر إلهام وتعلم للأجيال القادمة من الفنانين والمبدعين

فيلمون وهبي هو من الفنانين الذين لا يموتون، بل يبقون أحياء في ذاكرة الناس وفي تاريخ الفن. فيلمون وهبي هو من الفنانين الذين أثروا في الثقافة اللبنانية والعربية، وأسسوا لمدرسة فنية متميزة ومتجددة. فيلمون وهبي هو من الفنانين الذين أسعدوا الناس بألحانهم ومسرحياتهم وكتاباتهم، وأثاروا فيهم مشاعر الحنين والنوستالجيا لأيام أفضل. فيلمون وهبي هو من الفنانين الذين يستحقون كل التقدير والاحترام والتكريم