الدّستور هو القانون الذي يحدد شكل الدولة ومبادئها العامّة، ويجب تعديله بمراعاة تطورات المجتمع وحقوق الإنسان. في لبنان، شهد الدستور تعديلات عديدة تعكس
الدّستور هو القانون الذي يحدد شكل الدولة ومبادئها العامّة، ويجب تعديله بمراعاة تطورات المجتمع وحقوق الإنسان. في لبنان، شهد الدستور تعديلات عديدة تعكس التحولات السياسية والاجتماعية، مع إبراز دور المجلس النيابي في التشريع والرقابة على الحكومة. ورغم التغييرات، لا تزال التحديات تواجه تمرير الإصلاحات المطلوبة، خاصة فيما يتعلق بالنظام الطائفي واستقلالية السلطات.
مفهوم الدّستور وأهميته في تحديد شكل الدولة وصلاحيات السلطات الدستورية
الدّستور هو القانون الأسمى الذي يحدد شكل الدولة وصلاحيات السلطات الدستورية ومبادئها العامّة، لذلك يراعي المشرّعون في أثناء سنّ القوانين الأوضاع العامة للدولة، بالإضافة إلى حاجات ومتطلبات المواطنين. ومع تطوّر الشعوب، لا بد وأن تتزايد أيضًا احتياجاتها وفق التغييرات المحليّة والعالميّة، مما يستدعي إجراء تعديلات دستوريّة عند الضرورة تراعي معايير الحداثة في المجتمع وتحفظ حقوق الإنسان فيه.
ووضع الدستور اللبناني في 23 أيار 1926، في زمن الانتداب الفرنسي، ويتألف من 102 مادة، وقد ادخلت عليه تعديلات عدّة في فترات مختلفة، لعلّ أبرزها في تلك التي ترافقت مع معركة الاستقلال عام 1943، وصولاً إلى التعديلات التي اقرت بموجب القاون الدستوري، الصادر في 21- 9-1990، حيث أضيفت مقدّمة الدستور المعروفة بوثيقة الوفاق الوطني التي تم التوصّل اليها في مدينة الطّائف السعودية في 30/09/1989، و صدقت في جلسة مجلس النواب بتاريخ 5/11/1989، مع التعديلات التي أدخلت على الدستور.
النظام البرلماني اللبناني ودور المجلس النيابي في التشريع والرقابة على الحكومة
نصّ الدستور في مقدمته على المبادئ التي يرتكز عليها النظام الدستوري اللبناني، باعتباره نظاما برلمانيا، فهو جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، بحيث يكون الشعب مصدراً لهذه السلطات، وصاحب الحق في السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية.
وفي النظام البرلماني يبرز الدور الفعّال للمجلس النيابي باعتباره صاحب الصلاحية الأولى في التشريع وفي الرقابة على أعمال الحكومة، وهي تبدأ بدور المجلس بتسمية رئيس الحكومة مروراً بالاسئلة والاستجوابات التي يوجهها لأعضائها، وصولاً إلى منحها الثقة أو اسقاطها عنها. وتُعدّ الرقابة البرلمانية على النشاط الحكومي من أقوى أنواع الرقابة، حيث تؤدّي إلى الكشف عن التجاوزات والمخالفات التي قد تقع من الإدارات الحكومية المختلفة بهدف دفع الوزراء المختصين إلى التحرّك نحو معالجة قصور أداء الإدارات التابعة لهم.
فالتعديل الدستوري عزّز استقلالية السلطة التشريعية من خلال هذه الصلاحيات ، وتقييد حق رئيس الجمهورية في حلّ البرلمان، في مقابل الصلاحيات الواسعة التي منحها للمجلس، والتي تجعل منه نظرياً السلطة الأولى في الدولة، ولكن ماذا عن الممارسة الفعلية لهذه النصوص، وهل يقوم المجلس بدوره في ممارسته صلاحياته ، أم انّ عوائقاً تعترضه أثناء قيامه بهذا الدور؟.
محاولات الغاء الطائفية السياسية وإحداث تغييرات جوهرية في النظام السياسي اللبناني
وبغض النظر عن الخلاف الدستوري على توصيف طبيعة النظام بسبب الصلاحيات التي كانت معطاة لرئيس الجمهورية قبل اتفاق الطائف، أو نتيجة الثنائية في السلطة التنفيذية، واقرار التوازن الطائفي في انتخابات مجلس النوّاب وتأليف الحكومة.
فإنّ وثيقة الوفاق الوطني أحدثت تغييراً جوهريا يعدّ من أسس النظام البرلماني، حيث جعلت الحكومة مسؤولة أمام المجلس النيابي فقط، فلم يعد الحق لرئيس الجمهورية بإقالة الحكومة التي تتمتع بثقة المجلس النيابي، وذلك خلافا لما كانت تنص عليه المادة الثالثة والخمسون من الدستور، حيث تعطي رئيس الجمهورية صلاحية تعيين أعضاء الحكومة وإقالتهم، بالرغم من أنّ الممارسة العملية منذ العام ألف وتسعمئة وثلاثة وأربعين كرّست عرفاً دستوريا يقضي باجراء رئيس الجمهورية استشارات نيابية قبل تكليفه رئيس الوزراء.
والتعديل الثاني الذي عزّز من صلاحية المجلس النيابي، تمثل باقرار الزامية الاستشارات النيابية ونتائجها بينما كان العرف السائد يُقر بإلزامية إجراء الاستشارات دون التقيّد بنتائجها، واُثير هذا الموضوع في بداية عهد الرئيس أميل لحود (1998)، حين أفضت الاستشارات إلى تسمية حوالي نصف النوّاب لرئيس الحكومة، وتفويض عدد كبير منهم لاختيار رئيس الجمهورية. وقد اعتبر البعض أنّ التفويض غير دستوري لأنّ على النائب أنّ يمارس بنفسه حقاً دستوريا منحته ايّاه المادة الثالثة والخمسون من الدستور، وهذا ما تكرّس بالممارسة العملية بعد إنتخابات العام ألفين ، حيث قام النواب بحقهم في التسمية او الامتناع دون ترك حرية الاختيار لرئيس الجمهورية، وكذلك كان التزام رئيس الجمهورية بنتائج الاستشارات النيابية.
ومن التعديلات الأساسية التي أقرّها دستور عام 1990، ضرورة اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية، وفق خطة مرحلية، تبدأ بتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء، والتي تستكمل بنص المادة 22 من الدستور المتعلقة باستحداث مجلس للشيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية، بالتزامن مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي.
لقراءة المزيد للكاتب إضغط هنا
COMMENTS