Homeتراث

فنّ الكروشيه … تراث لا يتلف

فنّ الكروشيه … تراث لا يتلف

رغم التطور التكنولوجيّ الحاصل تعود مهنة الكروشيه إلى الواجهة باعتبارها تراثا تقليديّا قديما توارثته النساء جيلا بعد جيل، تخيط بالصنّارة والخيوط الصوف

الحكواتي بين الفنّ التّقليدي والعالم الرقمي
كيف يستلهم المصممون اللبنانيون تصميماتهم الجديدة من الحضارات والثقافات القديمة؟
مستشفى الأحذية … دواء لكل حذاء 
رغم التطور التكنولوجيّ الحاصل تعود مهنة الكروشيه إلى الواجهة باعتبارها تراثا تقليديّا قديما توارثته النساء جيلا بعد جيل، تخيط بالصنّارة والخيوط الصوفيّة لوحات فنّيّة متعددة الأشكال والالوان، لتقدّمها للزبائن بأبهى حلّة.

في أحد شوارع العاصمة بيروت تقطن ليلى قاطرجي السيدّة الخمسينيّة التي تمارس فنّ الكروشيه منذ سبعة وأربعين عاما، حيث تعلّمت وهي في سنّ الثامنة مسك الصنّارة من عمّتها، ولكن بطريقة مختلفة. 

أول قطبة

“الخطوة الاولى كانت باستخدام أسياخ اللحم”، تقول ليلى، وتضيف: ” تعلّمت حياكة الكروشيه بأشكال متعدّدة من الكنزات إلى القبعات والأحذية الولادية (البونتوفل) وصولا إلى أغطية الطاولات والأكواب والشراشف وغيرها. أنتقي الألوان بحسب ذوق الزيون أحيانا، أو على ذوقي كما يطلب منّي بعضهم لأنهم يعلمون أنّني لا اختار لهم إلا ما يليق بهم”.

ليلى قاطرجي مبدعة في الكروشيه منذ الصغر

الكروشيه أناقة وجودة

وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية ورغم ارتفاع أسعار “كبكوب الصوف” تصرّ ليلى على ممارسة هذا الفنّ لما يحقّقه لها من أرباح متواضعة تكفيها قوت يومها، كما في المقابل يصرّ العديد من الناس على اقتناء المقتنيات الصوفية، وذلك لانخفاض سعرها مقارنة بأسعار الألبسة الموجودة في الأسواق من جهة، ومتانتها وجوة نوعيّتها من جهة أخرى، فمن المعروف أنّ القطعة الصوفية تعيش عمرا طويلا وتتناقل من جيل إلى آخر دون أن تتلف أو حتى يتغيّر لونها أو تقلّ جودتها، وهو أمر مشجّع على شرائها.

الكروشيه مجدّدا في عالم موضة الأطفال

وفي هذه الأيام يقبل الناس بكثافة على شراء الألبسة الصوفية خاصة للأطفال بحسب ليلى، فهو يعطي مظهرا جميلا للطفل كما ويقيه برد الشتاء، وقد عاد ودخل الموضة من أوسع أبوابها، خاصّة في جلسات تصوير الأطفال الرضّع، الذين يزيدهم الثوب الصوفيّ جمالا ويعطي رونقا خاصّا لصورهم، لذا فإنّ أكثر من يتهافت لشراء هذه الأثواب والقبّعات والفساتين البناتية هم أهالي الأطفال الرضّع وأصحاب استديوهات التصوير.

كروشيه أطفال
الثياب الصوفية في جلسات تصوير الأطفال (studio fatima)

الشغف دافع للاستمرار

تؤكّد ليلى أنّ شغفها في هذه المهنة هو الذي يحفّزها على الاستمرار فيها رغم صعوبة تأديتها، ورغم الواجبات المنزليّة والزوجيّة الملقاة على عاتقها، إضافة إلى العوارض الصحيّة التي تركتها في جسدها النحيل بسبب جلوسها لساعات طويلة منحينة الظهر، مثبّتة نظرها في القطعة التي بين يديها، محاولة أن تبدع في اختيار الشكل واللون لتلبّي مختلف الأذواق.

ومع انتعاش مهنة الكروشيه من جديد عادت محلات بيع خيوط الصوف إلى العمل، واصطفّت كباكيب الصوف جنبا إلى حنب بألوانها الزاهية وأقمشتها المتنوعة على رفوف المحلات في مختلف المناطق اللبنانية، وعادت الصنارة والإبرة والطارة وكل معدّات ومستلزمات التطريز والحياكة تزيّن محلات بيع الصوف التي لمع نجمها في الأسواق التجارية بعد خفوته مدة من الزمن.

محلات بيع الصوف ومسلتزمات الكروشيه
كباكيب الصوف تزيّن رفوف المحالّ التجارية (من صفحة كبكوب)

ورغم الأزمة الاقتصادية التي أدّت إلى ارتفاع أسعار كل المواد التجارية في لبنان، إلا أنّ مستلزمات الحياكة والتطريز حافظت على أسعارها بالدولار الأميركي، فقبل الأزمة كان سعر كبكوب الصوف يتراوح ما بين دولار وثلاثة دولارات تقريبا بحسب نوع الخيط الصوفي، وهي تقريبا الأسعار نفسها التي تباع بها الكباكيب الصوفية اليوم.

بحسب أصحاب المحالّ التجارية المختصة بمستلزمات الحياكة يعدّ سعرها أحد الأسباب التي جعلت الناس تقبل من جديد على شراء المنتوجات الصوفية التي لا تزال أسعارها مقبولة مقارنة بباقي أنواع الملبوسات، ومقارنة بالارتفاع الجنونيّ للأسعار الذي خلّفته الأزمة الاقتصادية في لبنان. لكنّها في المقابل أعادت الروح لمهنة الحياكة بمختلف أنواعها، حتى صارت هذه المنتوجات اليدوية هدايا قيّمة يتمّ تبادلها بين الناس الذين باتوا يقدّرون المنتوجات الحرفيّة اليدوية الصنع، والتي تستهلك في صناعتها وقتا طويلا وشغفا كبيرا.مهنة

مهنة الحبّ والصبر

تقول ليلى: “لا يمكن لأحد أن يتعلّم هذا فنّ الكروشيه أو يتقنه أو يستمرّ في العمل في هذه المهنة المتعبة إن لم يحبّها، فأختي حاولت مرارا أن تتعلّم منّي لكنّها كانت تفشل لأنّها لم تحبّها، ولم تمتلك الصبر الذي يعتبر أهمّ ميزة يجب أن تمتلكها أيّ سيّدة ترغب في تعلّم هذه المهنة”. 

وتعتبر ليلى أنّ الاناقة والشياكة والترتيب التي يضيفها الثوب الصوفي لصاحبه في ملبسه أو أثاث منزله لا يمكن أن يحلّ محلّه نوع قماش آخر، خاصّة أنّ القطعة الصوفيّة مغزولة بالحبّ، ومحيكة بأيادٍ دافئة.

لقراءة المزيد للكاتب

COMMENTS

WORDPRESS: 0
DISQUS: 0