منذ بداية مسيرته التعليمية، يدرس اللبناني توزع الزراعات على اختلاف المناطق وبالتحديد تعلق في ذهنه عبارة "يشتهر الساحل اللبناني بزراعة أشجار الحمضيات"
منذ بداية مسيرته التعليمية، يدرس اللبناني توزع الزراعات على اختلاف المناطق وبالتحديد تعلق في ذهنه عبارة “يشتهر الساحل اللبناني بزراعة أشجار الحمضيات”، والتي كانت تشكل معلما يمتاز به السهل الساحلي اللبناني من شماله إلى جنوبه.
يوما بعد يوم يتغير مشهد السهل الساحلي فبعد أن كانت تسيطر أشجار الليمون على المشهد وتستقلبك برائحة زهرها المتفتح في الربيع، أصبحت البنايات وأشجار الموز والافوكادو تتصدر المشهد، وترافقك على طول الساحل اللبناني مع تواجد خجول للشجرة التي كانت تتصدر المشهد.
زراعة الموز مكان الحمضيات في السبعينيات
في سبعينيات القرن الماضي، قام مجموعة من المزارعين باقتلاع أشجار الليمون وإحلال شجرة الموز محلها، ردّاً على الأزمة السائدة بسبب الفائض في الإنتاج الذي انعكس كسادا في السوق المحلية والعالمية للحمضيات. مما أدى إلى خسارة كبيرة في المحصول الزراعي.
ومنذ ذلك الوقت انتشرت زراعة الموز بشكل كبير وأصبحت تشكل خطرا على زراعة الحمضيات. احتل الموز 60% من مساحة السهل الساحلي الإجماليّة حتى بات إنتاجه يفوق حاجة السوق المحلية، وقل الطلب الخارجي عليه فانخفض سعره بسبب الإقدام الغير مدروس على زراعته. خاصة بعد الزحف العمراني الشديد الذي عانى منه لبنان خلال الحرب الأهلية.
الزحف العمراني وغياب الدولة
ومع بدء الحرب الأهلية في عام 1975 استغل اللبنانيون غياب الدولة وأجهزتها الرقابيّة فأتت على بساتين صيدا مروراً بساحة الغيمة والبستان الكبير، وصولاً إلى مجرى ومصبّ نهر الأولي. وارتفعت مكانها بنايات سكنيّة ومدن صناعيّة ومؤسسات صرفيّة.
حتى في بيروت أكد أمين شري الساكن في زقاق البلاط محافظته على شجرة الليمون النادرة في المنطقة التي كانت تغطيها البساتين وحلت مكانها البنايات الشاهقة والمحال التجارية.
كما حلّ الباطون محلّ بساتين دوّار الزهراني والعقيبة وصولاً إلى مستشفى علاء الدين التي أنشئت محلّ بستان ليمون كان في عزّ عطائه.
إضافة إلى ذلك احتلت المدن الصناعية والمحلات التجارية جوانب الطريق من عدلون إلى مفرق العباسية والبصّ، فتحوّل سهل العبّاسيّة الذي تزيد مساحته على أربعة آلاف دونم إلى مبانٍ سكنيّة وكراجات على حساب بساتين الموز والليمون.
وعليه فقد أكل زحف الباطون نحو 10 آلاف دونم من الأراضي المرويّة الخصبة في السهل الساحلي لوحده.
زراعة الافوكادو تهدد أشجار الليمون والموز
وفي يومنا هذا تعاد أزمة السبعينات فهناك توجه ملحوظ إلى زراعة أشجار الأفوكادو مكان أشجار الحمضيات والموز بعدما تم استبدال القسم الأكبر منها بالموز. ويعود السبب وراء الاتجاه إلى زراعة الأفوكادو اليوم إلى وفرة إنتاجها و تأمين أسواق خارجية لتصدير وتكلفتها الأقل من الحمضيات.
تتقدم زراعة الأفوكادو الجنوب على سائر الزراعات، مسجلة أرقاما قياسية، تخطت المليون شجرة مقابل تراجع كبير جدا في زراعة الحمضيات، التي لطالما كانت الزراعة الرئيسة في السواحل الجنوبية، إلى جانب زراعة الموز.
ما يشجع المزارعين على الإقبال على زارعة الأفوكادو هو تدني كلفتها، فهي لا تحتاج إلى أسمدة كيميائية ومبيدات للحشرات، ولا تحتاج إلى الري أكثر من مرة في الأسبوع.
وبحسب منصة مناطق فإن تربة لبنان ملائمة جداً لزراعة الأفوكادو، وهناك أصحاب رساميل بدأوا يستثمرون في زراعة الأفوكادو لأنها مربحة وهذا الأمر سيشجع آخرين للاستثمار في هذا القطاع، والسبب في ذلك وجود مرجعية تعالج مشاكل هذا القطاع.
وقد توصلنا بالبحث إلى أحد أصحاب البساتين في منطقة القليلة الجنوبية الذي عمد إلى اقتلاع أشجار الحمضيات من بستانه البالغ ١٠ دنمات والتي تبلغ من العمر ٣٥ عاما واستبدالها بشجرة الأفوكادو في بداية العام الحالي
وأرجع عمران حسن السبب إلى تراجع السوق المحلى والأزمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان حاليا، بالإضافة إلى كون ثمرة الأفوكادو مطلوبة وسعرها أعلى في السوق العالمية وفرصة تصديرها أعلى “بتجيب همها” كما يقول. وفي ظل الأزمة الاقتصادية من الطبيعي أن يتوجه العديد من المزارعين إلى الخيار نفسه.
غياب الدولة ودعمها للقطاع الزراعي، وغياب الدعم المادي واللوجستي للقطاع وسعي أصحاب البساتين إلى الربح السريع جعل زراعة الحمضيات تتراجع على طول السهل الساحلي اللبناني من طرابلس حتى صور في ظل غياب واضح للحلول.
وحتى اليوم لا يزال مكتوبا في الصفحة الأولى من درس المناطق الزراعية في كتاب الجغرافيا للصف السابع الأساسي: يمتاز الساحل اللبناني بزراعة الموز والحمضيات.
اقرأ ايضا عن الزراعة التقليدية في لبنان
COMMENTS